يوم الحداد الوطني

2025-11-14 19:32:20 Written by  Ghirmay Zemichael Published in المقالات العربية Read 24 times

                                 

في مثل هذا اليوم , الربع عشر من نوفمبر من 1962 , شهد المقر التاريخي الكائن وسط مدينة اسمرا حدثا مفصليا في تاريخ الشعب الارتري .هذا المبنى كان في العهد الايطالي مقرا للحزب الفاشي , يقع على شارع واسع تصطف على جانبيه اشجار النخيل , وهو الشارع الذي تغير اسمه اكثر من مرة في الحقب المختلقة .

ففي فترة الحكم الايطالي , بالتحديد في عهد اول حاكم مدني لارتريا فيرديناندو مارتيني (Ferdinando Martini) اطلق عليه كورسو فيتوريو امانويل (Corso Vittorio Amanuele)  نسبة الى ملك ايطاليا . ثم تحول اسمه في عهد ايطاليا الفاشية الى فيالي موسوليني (Viale Mossolini) وبعد مجيء الادارة البريطانية اعيد تسميته كورسو ايطاليا (Corso Italia)  اما في عهد الاستعمار الاثيوبي فأصبح يعرف ب شارع هيلي سيلاسي  و بعد الاستقلال بعد عودة ارتريا الى اهلها اطلق عليه اسم شارع الحرية.

لقد تم احتلال ارتريا من قبل اثيوبيا , بعض فرض الاتحاد الفدرالي القسري بين الدولتيين , وهو الاتحاد الذي تم دون ارادة الشعب الارتري بتواطوء وضح من قوى دولية وجاء ذلك رغم ان المبعوث الاممي أنزي مااتنزو (Anze Matienzo) كان قد اعد الدستور الارتري الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1952 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم  390 (V) (A) الصادر بتاريخ ديسمبر 1950 .

ومع تصاعد الانتهاكات الاثيوبيا وتزايد التجاوزات ضد الكيان الارتري , ابلغ القنصل  البريطاتي في اسمرا حكومته في لندن بتدهور الاوضاع , كما عبر عنه رئيس الجمعية انذاك ألشيخ علي رادأي حين قال : “ لقد وضع الضبع مع العنرة , وكانت النتيجة واضحة . "

في ذلك اليوم الاسود من تاريخ ارتريا , استدعى الرئيس التنفيذي الارتري السيد اسفها ولدميكائيل البرلمان الارتري يوم الرابع عشر من نوفمبر 1962 , في سباق محموم قبل انعقاد الؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية في اديس أباباز وقد كان الهدف من الاجتماع الغاء الاتحاد الفدرالي  وتحويل ارتريا ألأقليم الرابع عشر لاثيوبيا بغية حرمانها من صفتها الدولة ذات كيان مستقل في اتحاد مع اثيوبيا في نظام فدرالي التي اقرته ألأمم ألمتحدة.

في اليوم الذي سبق ليوم الحداد , ساد جو غامض امتزج فيه الهدوء بالترقب المقلق , بينما نفذت القوات الاثيوبيا عرضا عسكريا في شوارع اسمرا رافعة شعارا يختصر برمته "رصاص لكل من يرفض.“

عندما استدعوا النواب الى الاجتماع ظن العديد منهم بسذاجة او حسن نية انهم دعوا الى الجلسة لمناقشة الميزانية , بينما كان اولئك ألأكثر اطلاعا يدركون تماما ماينتظرهم . حاول بعضهم التهرب من حضور الجلسة , فأدعى عدد منهم انهم في اجازة , وادحل اخرون انفسهم الى المستشفي متظاهرين بالمرض , في محاولة لحرمان الرئيس التنفيذي السيد اسفها من تحقيق النصاب القانوني لعقد الجلسة.

غير ان الشرطة اقتادتهم من منازلهم ومستشفياتهم و احتجزتهم طوال الليلو لمنعهم من مغادرة مدينة اسمرا .

وفي صباح ذللك اليوم الرابع عشر من نوفمبر 1962 , وقف السيد اسفها دون أي مقدمات , وقرأ بيانا قصيرا اعلن فيه مايلي :

“ ان ألأتحاد الفدرالي قد فرض على الارتريين كوسلة للتفريق والانقسام ولذلك نقر بالاجماع من هذه اللحظة ان الاتحاد , بكل ما يحمله من دلالات ومعاني قد الغي نهائيا من الان فصاعدا سنعيش في اتحاد كامل مع وطننا الام اثيوبيا.“ ساد القاعة الصمت لحظات من الذهول , قبل ان تنطلق تصفيقات محدودة من دون اجراء تصويت رسمي على القرار , لم يرغب الامبراطور هيلي سيلاسي ولا رئيس السلطة التنفيذية المخاطرة بعملية التصويت الغير مضمونة النتيجة المرجوة.

ويذكر العقيد داويت ولدقرقيش الذي كان حينذاك ضابط في الجيش الاثيوبي المتمركذ  في ارتريا ان قوات اثيوبيا مدججة بالسلاح كانت قد انتشرت حول مبنى البرلمان , لبث الرعب والخوف في نفوس النواب ومنع اي محاولة للمعارضة.

اما الصحافة الغربية, التي كانت قد غطت بأهتمام كبير اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة السابقة بشأن مصير ارتريا و عملية الاتحاد الفدرالي , تجاهلت الى حد كبير هذا الحدث الجلل – ابتلاع ارتريا, حتى اولئك الذين افردوا صفحات مطبوعة واسعة للنقاشات سبقت الاتحاد , اكتفو بفقرتين او ثلاثة لتغطية عملية الغائه, والاغرب من كل ذلك احد المراسلين لصحافة غربية في اديس أبابا فقد قدم الخبر بصيغة يورجح انها مستمدة من وكالة الانباء الاثيوبيا عكست تماما الرواية الرسمية التي اراد الامبراطور هيلي سيلاسي تسويقها للغرب والتي مازال بعض الاكاديميين الاثيوبيين يكررونها حتى اليوم , ومفادها :- “ ان الجمعية الارتريا قد صوتت بالاجماع  لالغاء الاتحاد الفدرالي.“

وفي تقرير ذوصلة بعث به القنصل الامريكي في ارتريا الى واشنطن وصف ما جرى بقوله : “ ان التصويت بالتصفيق كان مسرحية هزيلة , بالكاد تخفي غياب الدعم حتى من جانب اعضاء الجمعية الارترية الذين اختارتهم الحكومة.

ومنز ذلك اليوم اطلق على هذه الذكرة اسم يوم الحداد الوطني في الذاكرة الجمعية للشعب الارتري , اذ مثلت بداية فقدان السيادة الوطنية وبداية عهد من القهر والنضال الطويل من اجل اعادتها.

تمسك الارترين الاحرار الرافضون للوحدة القسرية بالامل الاخير في الانقاذ, معتمدين على التعهد الرسمي الذي قطعه المبعوث الاممي انريمو تنزو ق, وهو الضمان الوارد في تقرير الامم المتحدة , الذي حاول مستشار الابراطور سبنسر (Spencer) ورئيس الوزراء الاثيوبي اكليلو هبتولد عبثا شطبه.

وقد نص ذلك الضمان بوضوخ على" ان الاتحاد بين ارتريا و اثيوبيا لا يمكن تعديله او الغائه  الا بعض الرجوع اولا الى الامم المتحدة التي انشأت الاتحاد  فهي واحدها من تملك سلطة الغائهه" لكن رغم هذا النص الصريح اقدمت اثيوبيا على الغاء الاتحاد من جانب واحد وهو تصرف لاتملك له اي شرعية قانونيا.

هذا الانتهاك الفاضح اشعل غضب الشعب الارتري وفجر ثروته , وفي العقد الثاني من الكفاح المسلح حين كانت المعارك على اشدها ضد القوات الاثيوبيا في تلال عدي قبرو  وعدي تخلاي قرب العاصمة اسمرا تقدم رجل مسن الى المناضلين وهو يستحضر في ذهنه الضمانة التي منحتها الجمعية العامة للامم المتحدة لارتريا قائلا لهم :

“ واصلو القتال اذا استمرت المعركة لمدة ثمان و اربعين ساعة فستتدخل الامم المتحدة لحل القضية الارترية .

لكن الامم المتحدة واعضاءها اللاعبون الرئيسيون كانوا قد اعطوا اشارتهم منز زمن بعيد بأنهم لايأخذون الاتحاد الفدرالي بين ارتريا و اثيوبيا على محمل الجد اكثر من هيلي سيلاسي .

وهكذا تم اغتصاب ارتريا وانتهاك سيادتها في ذلك اليوم المكروه الذي بقى قي ذاكرة الشعب الارتري بأسم يوم الحداد الوطني.

 

                                

Last modified on Friday, 14 November 2025 20:39