النقد كوسيلة للبناء

2025-12-13 22:40:40 Written by  Eritrea Al-touq Published in المقالات العربية Read 116 times

      تُظهر المتابعة اليومية لما يدور في وسائل التواصل الإجتماعي لدى غالبية مرتاديها من الإرتريين، مستوى متدنّياً جداً من تقبّل النقد، وغياب شبه تام للنقد الذاتي؛ الأمر الذي تحوّل معه العالم الافتراضي إلى ساحات معارك كلامية، بلغت فيه حدة التلاسن حدّا غير مسبوق، لدرجة التطاول على رموز وطنية، قدّمت للوطن جلّ حياتها، وأعطت عطاءً غير محدود على حساب صحتها ومستقبلها الشخصي ورفاهية أُسرها. من شأن هذا السّعار المتعاظم، إذا لم تتم مناقشته أن يفاقم حالة الإنقسام داخل مجتمعنا الإرتري.

   من البديهي أنّ ثقافة الحوار والنقد هما جانبان يكمّلان بعضهما البعض في تكوين الوعي في المجتمع؛ لذلك يمكننا القول: أنه من السهل معرفة مدى رقيّ الأفراد داخله  من أسلوبهم في طرح الأفكار في النقاش، وفي الرد عليها، أو نقدها. فهل أزمتنا هنا مزدوجة بحيث أننا صرنا نعاني من غياب ثقافة الحوار، ورفض النقد؟. وما هي الأسباب التي جعلتنا لا نصغي إلى بعضنا البعض، وأن يكون الصراخ وسيلتنا المفضلة في الدفاع عن آرائنا؟. تاريخياً، حاولت الثورة الإرترية منذ سنواتها الأولى وحتى الاستقلال، تكريس ثقاقة الحوار، والنقد والنقد الذاتي، مما ساهم كثيراً في تماسكها، وحالة التوازن بين منتسبيها، وتفادي تكرار الأخطاء، والتحسين من الأداء، وابتكار أساليب غير تقليدية لحل المشكلات، وصولاً إلى بلوغها بعض أهدافها في التقارب بين التنظيمات في الساحة. لكن ذلك الواقع لم يمضِ على وتيرة واحدة، بل تخللته فترات من الصعود والهبوط، إذ كانت هنالك فترة ساد فيها النقد الهدّام كوسيلة لتصفية حسابات، ذهب ضحيته عدد غير قليل من المناضلين الشرفاء، وقد كانت أبرز تجليات تلك الفترة الحرب الأهلية المؤسفة بين رفاق الدرب الواحد؛ حدث ذلك حين غاب العقل، وسيطر الاستبداد بالرأي.    بناءً على ما سبق يمكن القول: بأنّ تأثير ما بذلته الثورة في ترسيخ ثقافة الحوار، والنقد والنقد الذاتي، لم يكن كبيراً، بل أنه لم يتجاوز المرحلة، ذلك لأنّ أهدافه كانت في الأساس تنظيم سير العمل، والانضباط، وتحسين الأداء، ومحاولة خلق بيئة صالحة للمقاتلين القادمين من ثقافات مختلفة، وصهرها في بوتقة واحدة تقلّ فيها التوترات، والتعصب والانغلاق، ويسودها الفهم المتبادَل، والانفتاح على افكار ثورية جديدة تساهم بدورها على اشاعة روح الأخوّة بين الرفاق. بالطبع، لا يمكننا هنا أن نلوم الثورة، أو نقول بتقصيرها في هذا الجانب؛ فهي عملت ما تحتاج إليه حينها، وما تقدر عليه حسب امكاناتها المحدودة، ثمّ أن إيجاد حلول ناجعة لرفض النقد، وغرس بذرة مبدأ الحوار هو من صميم واجب الحكومات، والذي لا يُمكن فرضه، بل يأتي على نحوٍ طبيعي من خلال التربية والتعليم، من خلال مناهج ذات قيمة تربوية عالية، يتعلّم منها الأطفال منذ نعومة اظافرهم احترام الرأي المختلف، وشجاعة الاعتراف بالخطأ، وعدم اعتباره ضعفاً بل قوة، وأن تكون الممارسة النقدية عنصراً أساسياً في مسيرتهم الحياتية والمهنية. فماذا كان دور الحكومة الإرترية لتحقيق ذلك وجعله ممكناً؟.

     بالطبع، لا يمكن أن نتوقّع من حكومة على رأسها دكتاتور، ويؤدي اعمالها وزراء مطيعين، وخانعين، أن تنحى نحواً من شأنه زيادة الوعي في المجتمع، لأنّ ذلك يتعارض تماماً مع الاستبداد وهي السمة الأوضح لها، ومن شأن ذلك أن يشكّل خطراً على سلطتها؛ لذلك نرى الحكومة مارست تغبيش الوعي، وتكميم الأفواه، لخلق أجيال تابعة تُنفذ فقط ما يُطلب منها، ولا يسعها التفكير في شأن واقعها المزري ومحاولة تغييره.

      تكريس مبدأ الحوار وتقبّل النقد البنّاء هو مسؤولية الجميع، وعلينا أن ننتبه جيداً إلى أهمية هذا الجانب في حراكنا نحو التغيير الديمقراطي، لضمان تحقيق أهدافنا، في وطن يسعنا بلا صراعات، تقلّ فيه الفجوات بين ثقافاته المتنوعة، ويتعزّز فيه التعايش السلمي، لذا علينا أن نربّي أبناءنا على ممارسة النقد البنّاء، وأنّ الاعتذار عن اخطائنا يمثّل قمة الوعي والشجاعة، وليس ضعفاً، وأنّ المكابرة سليلة الجهل.

Last modified on Saturday, 13 December 2025 23:46